نفوذ كبير لتجار غامضين .. أسرار الفساد في تجارة السلع الأساسية
- في عالمنا المعاصر اليوم، يتبوأ تجار السلع، من غذاء ودواء ووقود ومعادن وإلكترونيات وغيرها، مكانة محورية، فقد تمكن هؤلاء التجار، بفضل نفوذهم المتنامي وسلطتهم الواسعة، من السيطرة على مسارات التجارة العالمية.
- انطلاقاً من هذه الحقيقة، يسلط الصحفيان جاك فارشي وخافيير بلاس، في كتابهما "العالم للبيع: المال والسلطة والتجار الذين يقايضون موارد الأرض"، الضوء على الأساليب المشكوك فيها وغير الأخلاقية التي تتبعها هذه الشركات في صفقاتها التجارية، كاشفين بذلك عن الوجه الخفي لهذه التجارة الهائلة.
تركز الثروة: سلطة الشركات وفساد النخب
- يبين الكتاب كيف أن حصة كبيرة من الموارد العالمية تتركز بين أيدي قلة من الشركات، والتي يملكها عدد محدود من الأفراد.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- ويشدد المؤلفان على أن نفوذ هذه القلة يتجاوز المجال الاقتصادي ليطال الساحة السياسية العالمية، حيث إن سيطرتهم على تدفق الموارد الحيوية قد حولتهم إلى قوى سياسية مؤثرة.
- كما يسرد الكتاب العديد من الحكايات التي تتعلق بالفساد والجريمة، والتي قد يجد المستثمرون أنفسهم متورطين فيها دون قصد.
- في مستهل هذا الكتاب، يعترف المؤلفان بدهشتهما من القوة والنفوذ الهائلين اللذيْن يتمتع بهما قلة من تجار السلع الأساسية.
- كما عبروا عن صدمتهم من حالة الغموض التي تحيط بهؤلاء التجار، على الرغم من تأثيرهم البالغ على الاقتصاد العالمي.
- ولإلقاء الضوء على هذه الظاهرة، أجري المؤلفان مقابلات مع أكثر من 100 تاجر، منهم من لا يزال يعمل ومن تقاعد، بما في ذلك كبار المسؤولين في شركات عملاقة مثل "جولينكور" و"ترافجورا" و"فيتول".
السلطة
- يستعرض الكتاب بعمق الأثر البالغ الذي تحدثه هذه الشركات العملاقة على مسار الاقتصاد العالمي.
- يكشف الكتاب عن سيطرة أكبر 5 شركات نفطية على حوالي ربع الإنتاج العالمي من النفط، بما يعادل نحو 24 مليون برميل يوميًا.
- علاوة على ذلك، تفرض أكبر 7 شركات تجارية سيطرتها على نصف تجارة الحبوب والبذور الزيتية على مستوى العالم.
- في حين تحتكر شركة "جولينكور" بمفردها ثلث الإمدادات العالمية من الكوبالت، وهو عنصر أساسي لا غنى عنه في صناعة السيارات الكهربائية.
- ويزعم الكتاب أن هذه الشركات، مستغلة قوتها الاقتصادية الهائلة، تتدخل في صنع القرار الحكومي وتوجهه نحو تحقيق مصالحها الخاصة.
- ويشير الكتاب إلى أمثلة صارخة على ذلك، مثل دعوة مسؤول تنفيذي في شركة "جولينكور" إلى حظر تصدير الحبوب بهدف تحقيق مكاسب مالية ضخمة من ارتفاع أسعارها المتوقع.
الفساد
- يكشف الكتاب عن الوجه القبيح لعمل هذه الشركات في بيئة تعج بالفساد، حيث يوثق صفقات مشبوهة مثل دفع رشاوى وارتكاب أعمال غير قانونية.
- ومن الأمثلة على ذلك، قيام شركة "فيتول" بدفع رشوة ضخمة لأحد أمراء الحرب الصرب في البوسنة، بحجة تأمين عملياتها، دون التحقق من هويته الحقيقية.
- كما يتناول الكتاب دور الفساد المستشري في بعض الدول، مستشهدًا بمثال شركة "جولينكور" التي قد تجد نفسها مضطرة للمشاركة في أنشطة مشبوهة بفعل بيئة عمل فاسدة.
- ومع ذلك، يشير الكتاب إلى أن بعض الدول المتقدمة، مثل اليابان وأوروبا الغربية، تضع ضوابط صارمة تمنع مثل هذه الممارسات.
تحذيرات للمستثمرين
- ينبه المؤلفان المستثمرين إلى المخاطر العالية التي قد تنطوي عليها استثماراتهم في هذه الشركات، مستشهدين بحالة انجذاب صناديق معاشات العاملين في القطاع العام في بعض الولايات الأمريكية إلى استثمارات محفوفة بالمخاطر في مناطق مثل كردستان.
- كما يحذران من أن العديد من هذه الشركات تواصل اعتمادها على سلع تسهم في تلوث البيئة، رغم تزايد الوعي العالمي بتغير المناخ.
- ويضيف الكتاب أن العقوبات الأمريكية تفرض ضغوطًا على هذه الشركات، مما يدفع بعض التجار الصينيين إلى الاستفادة من انسحاب التجار الغربيين من بعض الأسواق.
- كما يتطرق الكتاب إلى العلاقة الوثيقة بين بعض كبار تجار السلع الأساسية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، موضحًا كيف أن هذه الشركات تواصل لعب دورٍ رئيسي في الاقتصاد والسياسة العالمية.
التحولات في النظام العالمي
- خلص المؤلفان إلى أن تحولات كبيرة تحدث في النظام العالمي، فالتجار الصينيون مثل "كوفكو" و"تشاينا أويل" بدأوا في التوسع في الأسواق التي كان يهيمن عليها الغربيون سابقًا.
- كما أن الشركات الروسية قد استفادت هي الأخرى من الظروف السياسية المتغيرة، لاسيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
- والشاهد هنا، أن هذه التحولات تؤثر بشكل كبير في ديناميكيات سوق السلع الأساسية، حيث بدأت القوى الاقتصادية الكبرى تتسابق على النفوذ والسيطرة على هذه الموارد الحيوية.
الختام: عالم بلا أسرار
- يُقدم كتاب "العالم للبيع" قراءة معمقة في عالم التجارة العالمية للسلع الأساسية، وكشفاً عن الدور المحوري الذي يلعبه هؤلاء التجار في تشكيل الخارطة الاقتصادية العالمية.
- ومع التطورات المتسارعة في الساحة السياسية والاقتصادية العالمية، يطرح الكتاب تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذا القطاع، وتوزيع القوى فيه، والتحديات التي تواجه الشركات الكبرى العاملة فيه.
- كما يثير تساؤلات حول مدى استجابة هذا القطاع للتغيرات المناخية والضغوط البيئية، وكيفية إدارة الموارد الطبيعية على نحو مستدام.
- وفي ظل الأحداث الجارية، مثل الحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من أزمات في الطاقة والغذاء، فهناك حاجة ماسة لأن يقوم المؤلفان بتحديث الرؤية التي قدمها الكتاب، وتقديم تحليل أعمق للأوضاع الراهنة وتداعياتها المستقبلية.
المصدر: إمباكت إنڨستور